عرض مشاركة واحدة
قديم 30-04-07, 02:25 AM   #13
فتى الرياض

من كبار الشخصيات
افتراضي

 

(10)

كان الليل قد خيم والظلام أطبق على أرجاء الكوخ عندما أفاق سامي ولم يجد معه أحد في الكوخ ، نظر من ناحية الباب فرأى نور التنور الذي بدا أن شخصا ما واقف بقربه يشعله برمي الحطب بداخله ، تزحزح من مكانه واستوى على يديه وركبتيه وشرع يزحف لخارج الكوخ ، فلما توسط فناء الدار نادى : ماما ؟
لكنها لم تجبه ، ردد مرة أخرى : ماما ، ماما ؟
أيضا لم يسمع رد ، وبدا أن الواقف بجانب التنور أثخن من أمه وأطول بكثير ، تسلل الخوف إلى قلبه الصغير فأراد أن يعود للكوخ ، هم بذلك لولا أن رأى الشخص الذي بجانب التنور بدأ يتحرك نحوه فلما دنا منه قليلا عرف أنه لم تكن أمه ، هذا الشخص يلبس هنداما فضفاضا كبيرا وغريبا ، زاد خوفه واستدار حابيا للكوخ ثم التفت للخلف فرأى الشخص يقترب ويدنو منه فذعر وحبا بسرعة فائقة حتى ولج للكوخ المظلم وتوجه نحو أريكة أختبئ تحتها وظل يراقب من تحتها خائفا مذعورا لكن لم يدخل أحدا للكوخ وتذكر حكايات جدته عن الغول فقال في نفسه : هذا الشيء ضخم لابد أنه الغول . وتذكر أن الشخص كان واقفا بالقرب من التنور فخطر في باله لا محالة أنه الغول جاء ليشويه في التنور ليأكله و إلا لماذا أشعل التنور ، وتسائل في عقله : لكن أين أهلي ؟ لابد أن الغول أكلهم كلهم ، وامتلأ قلبه بالرعب حينها عندما سمع صوت حركة من خلفه ، صاح بفجع تداركه لئلا يسمعه الغول في الخارج وبدا أن أحدا ما يلمس قدميه فارتعب وخرج من تحت الأريكة حابيا بسرعة لخارج الكوخ فلما توسط الفناء رأى الغول مجددا بالقرب من التنور فذعر هذه المرة أكثر وصاح بصوت قوي مدوي وقام بسرعة خاطفة وجرى ينوي الخروج من الدار فما أن وصل لباب الدار حتى رأى نورا قاما من فانوس تحت التكية ورأى أناسا متحلقين وكان صراخه لم يهمد بعد ، سمع حينها أمه تصيح بذعر أختلط بالفرح وهي تقول : سامي واقف على قدميه ، عندها أطلقت الجدة زغاريد الفرح وسط ذهول الجميع وذهوله هو وخوفه من الغول وبدا أن الطفل لم يعي الأمر بعد ، بنظراته الزائغة نحو التنور ونحوهم عرف أنهم أهله ولكن بدا أنه يحلم بعد أن تركز في تفكيره أن الغول أكلهم جميعا قال بصراخ مختلط مع بكاء : ماما ، بابا ، جده ، الغول ، وجرى الجميع نحوه رفعه أبوه وضمه لصدره بقوة وهو يقول : الحمد لله وكررها مرارا وهو يقبله ثم تناوله عمه أحمد وانهال بالقبل عليه فيما سجد أبو سامي سجود الشكر وتقاذفته الأيدي الجدة أولا ثم أمه ثم صديق والده وخال أمه ( جده علي ) ثم تقدمت امرأة طويلة بدت أنها هي الغول الذي كان يقف بجانب التنور أرادت حمله فصرخ صرخة خوف وهلع فهو لم يرها من قبل وقالت أمه : لا تخف هذه جدتك ( سلامة ) زوجة جدك ( علي ) وقالت للمرأة التي بدت متفهمة وطيبة : أعذريه لم يرك من قبل .
عندها هدأ خوفه منها وعلم أنه كان واهما فهي ليست الغول وأنها جدة طيبة كانت تعد لهم خبز العشاء على التنور ، وأدرك بعدها انه هزم الشلل الذي عذبه لعامين متواصلين .
تواصلت الأفراح بشفاء سامي على مدى أسابيع ذبحت فيها الذبائح شكرا وعرفانا لله فوزعت على الفقراء وعملت الموائد وجاء الأهل والأقرباء والأصدقاء مهنئون وغمرت سامي قبلات الجميع بلا استثناء وكثرت لديه الهدايا فأنسته هدايا صابر الذي توفي بعدها بأعوام وهكذا سارت حياته بين حمد لله وشكر على نعمة الصحة ، وبين أناس غمروه بالحب والعطف والحنان حتى سقطت أوراق شجرة العمر في خريف الزمن فتساقطت ورقة تلو ورقة واختفى جده ثم جدته عن الحياة لكنهما مازالا يعيشان في ذاكرته هما الوفيان وهما البطلان الحقيقيان اللذان قدما كل تضحية لإسعاده وساعداه في أكبر محنة صادفها في حياته ، فقام يدعو لهما وأموات المسلمين : اللهم أرحمهم واغفر ذنوبهم وأسكنهم فسيح جناتك إنك ولي ذلك والقادر عليه ، والحمد لك على نعماءك وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى صحبه وآله .






( تمت بحمد الله )





  رد مع اقتباس