عرض مشاركة واحدة
قديم 30-04-07, 02:24 AM   #12
فتى الرياض

من كبار الشخصيات
افتراضي

 


الطبيب : أؤكد لك أنه لم يعد الأمر غير مسألة نفسية .
الجد : لكنكم مازلتم على علاجه بالكهرباء ، متى توقفونها عنه .
الطبيب : متى مشى نوقفها ، أما إذا لم يمشي فالخوف أن العصب يتراجع والعضلات ترتخي ويعود من جديد كما كان أول ما جاء إلينا هنا بالمستشفى ، إنه كما قلت لك يتماثل بسرعة للشفاء ويحتاج فقط لترك الخوف الذي بداخله فهو ليس به شيء يمنعه من المشي مجددا .
الجد : طمأنك الله يا بني ، وجزاك الله عنا وعن المسلمين كل خير على ما تبذله .
الطبيب : لا داعي للشكر يا عم هذا واجبي .








كان الصباح مشرقا عندما كان سامي يحبو على يديه وركبتيه خارجا من الكوخ متوجها للتكية الخشبية ، وعندما وصل ورأى أخته التي تكبره بعام مرتقية الأرجوحة المعلقة على سقف التكية تتأرجح مرتدية فستانها الأحمر الجديد وقد مشطت شعرها وربطت ظفيرتها بشريط أحمر قال وقد بدت الدهشة تعلو وجهه : لماذا لبست ثوبك الجديد ؟
قالت وهي ما تزال تتأرحج : سأذهب مع أمي .
قال : إلى أين ؟
قالت : لبيت أم صابر .
عندها تذكر صابر الذي كان قد نسيه بسبب مرضه الذي شغله وشغل أهله ، وتذكر ذاك الفتى الذي شاركه ألعابه والمرض فقال : هل شفي صابر ؟.
قالت : قالت أمي أنه جاء من أمريكا مع أهله ، لكني لا أعلم إذا كان قد شفي أم لا .
قال : هل ستأخذونني معكم ؟.
هزت كتفها بعدم العلم ، ثم قالت : أسأل أمي وأشارت لخلفه تماما وهي تنزل من الأرجوحة .
نظر للخلف فرأى أمه ترتدي عباءتها فقال : أأذهب معكم ؟
ردت الأم برقة : من سيحملك ؟ أنا لا أستطيع حملك أنت كبرت ، وخالك في المدرسة ، وأبوك وعمك كل واحد في عمله ، ستذهب معنا في المرة القادمة .
قال بنبرة أسف : سلمي لي على صابر ، وقولي له أنني مشتاق له .
قالت : حاضر وانحنت تطبع قبلتها على رأسه ، فقال : هل أصبح يمشي ؟
قالت وهي تخرج من الباب : لا نعلم عنه شيء ، سنذهب ونرى ثم نخبرك .
ظل وحيدا متأملا متفكرا حاله وما آل إليه لقد كان يجري في هذا البيت قبل عامين يذرعه ذهابا وإيابا ويختبئ من أخته خلف النخلة وتحت شجرة الرمان ووراء شجرة الريحان فيعبق من نسيمها حتى تمتلأ رئتيه برائحتها ، لكنه الآن لا يستطيع حتى الوقوف على قدميه كمثل بقية الناس ، تفكر مليا بحاله وما صار إليه من ضعف وعجز ، في تلك الأثناء جاءت قطته التي كان يحبها كثيرا ودارت حوله قبل أن تتحسسه بذيلها ومن ثم بكامل جسدها استوى بجلسته وحملها بذراعيه وضعها أمامه وظل يمسد فروها ويداعبها ، وما كاد يسمع صوت باب المنزل يفتح بصريره الصدأ حتى رأى جدته وهي تدلف حاملة بعض الأغراض في كيس نايلون شفاف ، ومرحبا قال بصوت فرح : هلا جدتي ، أين كنت ؟
قالت وبدا على صوتها التعب : في البقالة ، اشتري خضار الغذاء ومررت بالجزار فاشتريت لحما .
وهي تضع عنها عباءتها قالت : أين أمك ؟
قال : ذهبت لدى أم صابر .
تأوهت فسمعها فقال : ما بك جده .
قالت : لا شيء .
قال : لماذا لم تذهبي معهم لأم صابر ؟
قالت : ذهبت قبل أن أذهب للبقالة .
قال : هل رأيت صابر ؟
قالت : نعم .
قال : هل شفي ، هل أصبح يمشي ؟
وأطرقت تفكر ، هل تخبره بأن صابر لم يشفى مع كل العمليات التي في ظهره والتي عاد فقط بأثرها من أمريكا ، هل تخبره فتصدمه بأن كل الأموال التي أنفقها والده لم تعد له صحته المسلوبة منه ، هل تخبره فتحبطه وهو ابن الفقراء الذين لا يملكون غير كوخ يؤويهم وبه يطبخون وفيه ينامون ، لا لم تشأ أن تخبره فيقع في قلبه الصغير اليأس القاتل الذي سيزيد الخوف لديه ولم يتمكن من المشي لكنها أيضا لم تشأ أن تكذب و وأرادت أن تواري فقالت : هو بخير ، ونعمة .
فقال وقد تهلل وجهه بالفرح : أأصبح يمشي ؟
ورأت عيناه الفرحتان تطلبان التأكيد على سؤاله فجبنت من الحقيقة المرة التي حتما ستقصف بقلبه الصغير وتحطم الأمل المتبقي في جوفه فقالت : نعم ، يمشي .
لم تره قد فرح بمثل هذا الفرح منذ أن مرض ولولا عجزه لقفز للأعلى وهو يقول : أحبك صابر .
قالت : سألني عنك ، وقلت أنك ستمشي قريبا وسوف تزوره قريبا ، أليس كذلك ؟
قال وهو لا تكاد تسعه الفرحة : نعم ، نعم ، عندما أمشي سوف أذهب إليه ونلعب سويا .
قالت : قل يارب ؟
قال : يارب اشفني بسرعة ، حتى ألعب مع صابر .
قالت وهي تدنو منه : هل تذكر ما قلت لي عندما علمت أن صابر مرض ؟
قال : نعم ، أذكر ، لقد قلت أنني سأضرب الشلل ليهرب عن صابر .
قالت : صابر ضرب الشلل ، فهرب عنه ، بقي دورك أنت ، ماذا ستفعل ؟
قال : سأضربه ... وقبض يده وضرب ساقيه وقدميه قائلا : أخرج يا شلل ، لا أريدك في قدمي ، فعندما أحس بألم الضرب على ساقيه كف عن ضرب ساقيه ، والتفت قائلا : هل هرب ؟
هزت الجدة كتفها بعدم العلم .
قال : كيف أعرف ؟
قالت : حاول النهوض ، وستعرف إن هرب أم لا .
حاول أن ينهض لكنه لم يستطع ، فقال : لم يهرب .
قالت : لعله ليس في ساقيك ، لعله في مكان آخر مثلا في قلبك أو رأسك .
قال : لكنه لو كان في رأسي لكنت لا أستطيع الكلام .
قالت أبحث عنه في جسدك ، إذا وجدته أطرده دون أن تضربه فأنت عندما تضرب جسدك وساقيك فأنت تؤلم نفسك وهو لا يضره شيء ، يكفيك فقط أن تطرده .
ولم تكن تعلم العجوز أنها تعالجه نفسيا وتخرجه من حالة الخوف التي تتملكه بهذه النصائح الصغيرة .














  رد مع اقتباس