عرض مشاركة واحدة
قديم 30-04-07, 02:21 AM   #9
فتى الرياض

من كبار الشخصيات
افتراضي

 




(8)
لم يكن ليعتاد سامي وضعه المقيد بعد فقد كان يجري ويلعب ويجوب المنزل كنحلة طنانة تجوب في الحقول ، نظر إلى ضعفه وتقيد حركته فكأنه أحزنه حاله وهو ملقي على بساط السعف داخل الكوخ الوحيد الذي يملكونه والذي ضم بداخلة المطبخ المتواضع في الزاوية وأربعة أسرة تراصت على الجوانب الأربعة بينما في ركن منه تراصت الصناديق صندوق جدته الخشبي وصندوق جده الحديدي وصندوقين لعمه أحمد وصندوقين لهم أحدهما كبير توجد به ملابسهم والآخر صغير خصص فقط لأوراق ملكية الأرض والأوراق الثبوتية وبعض الأوراق المهمة وبه أيضا النقود وقد كان والده يفتحه فيخرج قطعة معدنية من الفضة فيقول : هذه هدية أمه المتوفاة لأول مولود له ، طبعا لم يكن هو أول مولود ، فهناك فتاة تكبره بعام ولكنها ما إن مرض سامي بالشلل حتى أودعوها في بيت جدها من أمها خوفا عليها من العدوى ، وقتها سامي أفتقدها ، وكان ما يزال على الحصير يفكر يتأمل في حاله وما أصابه من مرض غريب لم يكن له على بال ، تذكر حينها صابر ذاك الطفل الذي بادله الحب وشاركه ألعابه فأبى هو بدوره إلا أن يشاركه المرض ويعرف قسوته وجبروته ، لكن أهله أغنياء سافروا به لأمريكا بحثا عن علاج أما هو فأهله فقراء معوزون ليس لهم طاقة على السفر والعلاج في الخارج ، تفكر مليا وبدا أنه رضي بالنصيب وفكرة العلاج هنا تعجبه مادام هناك ممرضة مصرية تهديه الحلوى القطنية وممرضة أخرى تهديه حلوى الحلقوم ، وأيضا جده وجدته وهداياهم وعطاياهم لقد كان ينتظر دور جده بفارغ الصبر ليحمله للمستشفى ويشتري له لوز من الحجة التي تفترش بباب المستشفى ، حينها قطع تأمله الطفولي صوت نسائي نظر ناحية باب الكوخ فرأى امرأة متوسطة العمر تدلف للكوخ ومعها أمه وجدته ، قالت أمه : هذه السيدة رد عليها التحية يا سامي ؟
رفع بصره قائلا : كيف حالك يا عمة ؟
ردت بصوت هادئ : الحمدلله أخبرني كيف حالك أنت ؟
قال بمرح : أنا .. بخير ، ما دمت تزورينني .
قالت وكأنها فرحت بهذا القول : حبيبي ، أنا من لي غيرك ؟ ليس هناك من أحد مطلقا .
قال : وأولادك ؟
قالت بنبرة جادة : ما ذا بهم ؟
قال : أولادك أو ليسوا هم لك وتحبينهم أكثر مني .
قالت وقد أخفت ضحكتها بيدها : ليس بأكثر منك .
ثم أخرجت قرشين ناولته وقالت : أعتذر لم أستطع جلب الحلوى لك أنا آسفة .
قال : لا عليك سوف أحتفظ بها حتى أتعافى وأشتري بنفسي .
ابتسمت له وناولته في يده وقالت للأم : ابنك هذا جاء بالشر ، فقد أتعبك في ولادته وكدت أن تموتي بسببه وجاء بعده ولد فمات ، وولدت بعده ولد آخر خرج ميتا ، ولم تحملي بعد ذلك ، والآن ترين من أمره .
الجدة وقد انتابتها نوبة خوف : وما العمل ياسيدة .
السيدة مخاطبة أم سامي : أحضري دلة من الفخار .
قامت وتناولتها من رف معلق على جدار الكوخ وناولته السيدة التي طلبت شيء صلب ، فأحضرت أم سامي قطعة حديد بدت قوية وصلبة وناولتها ، قالت السيدة : أجلسوه ، والتفتت للولد قائلة : لا تخاف .
بعدما أجلسوه وضعت الدلة الفخارية على رأس الصبي من قفاه وأخذت الحديدة وضربت الدلة عدة ضربات حتى تكسرت وعلا صوت الصبي من الألم ثم أخذت ريق من فمها ووضعته على رأس الطفل وأخذت تفرك محل الألم في رأس الصبي الذي قال بغضب بالغ : اتركيني ، لا تلمسيني .
فانصاعت له وباعدت عنه ورآها تخرج من باب الكوخ فقال : تعالي خذي نقودك ، لا أريد منك شيء ، أنا أكرهك كسرت رأسي وما كفاك فتبصقين علي لأن مشيت لأرد بصقتك في وجهك ورمى القرشين ناحيتها .
قالت الجدة التي بدا على صوتها نبرة انزعاج : عيب يا ولد .
لم تلتفت السيدة إليه وبدا أن النسوة يودعونها فظل يبكي من آلام رأسه طويلا حتى غالبه النعاس فنام وهو يحلم بالسيدة الشريرة التي تؤذي الأطفال وتعذبهم وتارة تضعهم في قدر فتطبخهم لتلتهمهم فيما بعد .






كان مازال يبكي حينما جاء والده من العمل بعد الظهر فقال مخاطبا الطفل : ماذا يبكيك ؟
سامي : السيدة كسرت رأسي .
الأب مستغربا : أي سيدة ؟
الجدة : أم عبدالله .
الأب : ما الذي أتى بها ؟
الجدة : أنا أحضرتها لعل الله يضع في يدها الشفاء وتحل البركة .
الأب : لكن يا عمة السادة هؤلاء بشر مثلنا ليس بيدهم نفع ولا ضر ، ولو أنهم ينفعون أحد لنفعوا أنفسهم فاستغنوا بما لديهم عن ما لدى الناس .
أم سامي : لعل الله يضع بيديها البركة ، لا تكبر الموضوع .
الطفل : أي بركة ورأسي يؤلمني . ثم صاح : آه رأسي .
تأوه الأب بحرقة وتقدم نحو الطفل فحص رأسه ثم قال بصوت مغتضب : هناك ورم برأس الطفل وتقولين بركة ، أأشركتم السيدة مع الله في قدرته .
الجدة : ما أشركنا وما عبدناها ، فقط أردنا بركتها ، فلا تعطي الموضوع أكبر من حجمه .
الأب : هذا هو الشرك والله ، تطلبون بركة السادة ، ماذا بأيديهم فيهبونكم إياه ، بالله أخبروني .
الجدة : السادة مجربون وقد كتب الله على أيديهم شفاء الكثيرين .
الأب : إذا أنتم تعتقدون بهم وتجعلون لله واسطة من البشر يا لحظي البائس ، أستغفرك اللهم وأتوب إليك ، اللهم أني بريء مما فعلتم ، وخرج من الكوخ مغاضبا .
أم سامي : إلى أين ، الغذاء جاهز .
بصوت مغتضب : لا أريده .





  رد مع اقتباس