عرض مشاركة واحدة
قديم 30-04-07, 02:13 AM   #1
فتى الرياض

من كبار الشخصيات

 

بسم الله الرحمن الرحيم











إهداء
إلى الأرواح
التي عاشت بيننا
قريبة منا ، غريبة عنا
ولم نعرف قيمتها
إلا بعد الرحيل
إلى الشذا الباقي
والعطر الخالد
الذين زرعوا المجد بأيديهم
وغرسوه بتفانيهم
ورووه بأفانين حبهم
وهمس وحيهم
الكاتب


(1)
لم يدور في خلده أنه كان ينتظر أياما قاسية فقد كان سعيدا لأنه سيخرج برفقة أمه لزيارة جارتها ( أم صابر ) لأول مرة ،كان طفلا في عقده الخامس ككل الأطفال يحب المرح واللعب وقد أخبرته أمه أن لدى جيرانهم طفلا في عمره تقريبا فظن أنه سيكون صديقا جديدا يمرح ويشاركه ألعابه ، قال في براءة الطفل الذي حرم من أي لعبة أو دمية : ماما هل لدى صابر ألعاب ؟
الأم : طبعا ، لديه ألعاب كثيرة ، فهو الطفل الوحيد لوالديه والمدلل كثيرا .
الطفل : هل تظنين أنه سيفرح بي كما أنا سعيد لأن أراه ؟
الأم : لا شك في ذلك ، لكن إياك أن تتشاقى فتجعله وأهله يكرهون مجيئنا .
الطفل : لا لن أفعل ، سأكون ابنك المطيع دوما .
تناولت يده وانحنت إليه قائلة : نعم أنت ابني المطيع دوما ، هيا أعطي أمك قبلة .
طبع قبلة قوية على خدها ثم قال : أحبك ماما .
الأم : وأنا أحبك كثيرا سامي .

كانا مازالا ينتظران الباب يفتح حتى جاء ولد في السابعة من أقصى الشارع ، وقف على مقربة منهم حدجته أم صابر بنظرة متفحصة متروية وأيقنت من تركيبة وجهه المستدير ولون بشرته البيضاء القريبة للصفرة وأنفه الصغير الدقيق وشعره الناعم المسترسل شديد السواد وعينيه الواسعتين أنه يشبه لحد كبير أم صابر فقالت دون تردد : أنت صابر ، أليس كذلك ؟
الولد : نعم عمتي ، أنا صابر .
المرأة : ما شاء الله تبارك الله – لقد كبرت بسرعة يا صابر ألم تعرفني ؟ أنا جارتكم أم سامي وهذا ابني سامي ، أدنو مني لأقبلك وانحنت إليه ، قبلته على خده ، ثم مد يده لسامي وتصافحا ، بدا سامي مسرورا لأن صابر كان في طوله تقريبا مع أنه أكبر منه بعامين .
سامي : أنا أعرفك ، فقد حدثتني أمي عنك كثيرا .
وفتح الباب وكانت خلفه امرأة بدينة بدت أنها بشوشة ومسرورة بهذه الزيارة المفاجأة قالت : أم سامي ! تفضلي .
قدمت أم سامي خطوة للأمام وولجت للداخل بينما ظل الطفلان ينتظران فراغ النساء من تبادل القبل والسلام الذي ظنا أنه لن ينتهي إلا بعد وقت طويل ، فجأة قالت المرأة البدينة مخاطبة سامي : لابد أنك سامي ؟
قال سامي : نعم سامي يا خالة .
ابتسمت المرأة بمودة بالغة وقالت : ما شاء الله تبارك الله ، ادخل يا بني لا تكن خجولا .
تقدم ببضع خطوات فكان في الداخل ، فانحنت إليه قائلة : أما عرفتني ؟ ، أنا ( أم صابر ) ، وطبعت على رأسه قبلة ثم أردفت : وهذا الذي خلفك ابني ( صابر ) ، صابر خذ سامي وأريه ألعابك .
صابر : حاضر ماما ، ثم التفت إلى سامي قائلا : هيا اتبعني .
في الممر كان سامي يتبع صابر الذي بدا هادئا في مشيته رزينا أنيقا في هندامه قال سامي : هل تدرس ؟
التفت إليه وقال : نعم ، وأنت .
سامي : تقول أمي ، أنني مازلت صغيرا .
صابر : كم عمرك ؟
سامي : خمسة .
صابر : ظننت أنك في السابعة .
سامي : وأنا ظننت أنك بعمري .
صابر : لست أنت الوحيد الذي ظن ذلك ، فكل من رآني ظن أنني أصغر من عمري ، ولقد ذهب بي أبي للطبيب وبعد الفحص قال أن نموي بطيء ، لكنه قال أيضا أن هناك المئات من الأطفال بمثل حالتي وما أن أبلغ العاشرة حتى أنمو بسرعة أكبر .
سامي : هل لديك أصدقاء ؟ .
صابر : نعم لدي الكثير ، تعرفت بهم في المدرسة ، وأنت ؟
سامي : لدي صديق واحد هو أحمد ابن الجيران لكنني لا أحبه فنحن دائما نتشاجر .
صابر : لماذا تتشاجران ؟
سامي : يملك ألعابا كثيرة لكنه بخيل ، فكلما أردت أن ألعب معه بألعابه يرفض ونتعارك .
صابر : لدي أيضا ألعابا كثيرة ، وإذا أعجبك شيء لا تتردد في طلبه ، فنحن جاران وقالت لي أمي أننا أخوان .
وقد بدا سامي مسرورا من كرم صابر وكان كمن لا يطيق الانتظار ليرى تلك الألعاب .
أخيرا وصلا لغرفة صابر وكان الباب مقفلا ، مد صابر يده ممسكا بمقبض الباب لواه قليلا وفتح الباب وولج للداخل قال : تفضل ، أدخل .
تقدم سامي للداخل وأدهشه منظر الألعاب المتراصة في دواليب وزعت على أركان الغرفة الواسعة والمطلية بلون زهري فاتح والمرتبة ترتيبا جميلا متناسقا ، وقال من الدهشة بعد أن فغر فاه برهة : صابر أهذه الغرفة لك لوحدك ؟
صابر : نعم هي غرفتي وكل ما تراه هو لي لوحدي .
تجول قليلا في أنحائها مذهولا ومن ثم أتجه نحو دولاب الألعاب وقبل أن يلتقط دمية أثارت فضوله قال : أتسمح أن ألعب بها ؟
صابر : بالطبع ، كلها تحت تصرفك .
سامي : أنت كريم يا صابر ، أنا أحبك .
ابتسم صابر وبدا عليه الخجل ، ثم قال : تعال أريك كيف يعمل القطار .
وشرع صابر يعلم سامي طريقة تركيب قطع السكة الحديد وأخذ سامي يناوله القطع مبهورا لم تفارق شفتيه ابتسامته الطفولية وفرحة الطبيعي بالألعاب ، ومكثا حتى قارب وقت الظهيرة وهما يلعبان بالقطار ثم بالسيارات الكهربائية ثم بالدمى والمكعبات ولم يترك سامي لعبة إلا وجربها وتناثرت الألعاب في أرجاء الغرفة ، ومازالا كذلك حتى جاءتا كل من أم صابر وأم سامي معلنتا انتهاء وقت الزيارة ، لكن تعلق سامي بالألعاب التي لم ير مثلها في حياته جعله يقول راجيا : ماما ليس الآن ؟ أرجوك دعينا نلعب قليلا ؟
أم سامي التي لم يعجبها تعلق ابنها بألعاب صابر فحملقت له مهددة متوعدة : أما تشبع من اللعب ؟ ، هيا بنا فوالدك سيغضب إن لم يجد طعام الغذاء .
ضحكت أم صابر وقالت : صدقت ، والله إن هؤلاء الرجال لا يثيرهم أكثر مما يثيرهم الجوع .
أم سامي وقد رمقتها بنظرة استغراب قائلة : لكن لديك خادمة ، تغنيك عن عمل المطبخ .
أم صابر : هل تصدقي ؟ أبا صابر لا يأكل إلا من يدي مع أن خادمتنا طاهية ماهرة ، ولقد طلبت مرة من المرات من الخادمة أن تطهو الغداء لألم بسيط أحسسته بظهري ولقد أشرفت بنفسي عليها أثناء الطهي حتى لا تتغير المقادير فيفتضح أمري فلما أن جلس أبو صابر على السفرة وقبل أن يتذوقه مكث يتفحصه بعين ثاقبة ثم سألني أأنت من طهى الغداء ، فأجبت بالجزم وكدت أشك أن به شيء غير ما أشرفت عليه فتناولت لقمة ومضغتها جيدا فلم يكن به غير المذاق المألوف الذي دائما أطبخه له ، لكنه لما تذوقه قال : أمتأكدة من ذلك ؟
فهززت رأسي بالإيجاب وقلت : هل لديك شك ؟
فتناول لقمة أخرى مضغها جيدا وما إن بلعها حتى رمقني بنظرة عتاب وقال : ليتك لم تكذبي ، وقام من السفرة ولم يتناول غذاءه ذلك اليوم .
أم سامي : كذلك أبو سامي ، نهاني أكثر من مرة أن تطبخ أمي طعامنا ، وعندما تطبخ أمي يعرف أنها من طبخته مع أن أمي هي من علمتني وأنا أسير على خطاها وفي الحقيقة لا أعرف كيف يفرق بين طبخي وطبخ أمي مع أنني لا أجد فرقا في الطعم بين ما تطبخه وأطبخه .
أم صابر : يبدو أن حاسة الذوق لدى الرجال أقوى من حاستنا .
أم سامي : يبدو كذلك ، لقد أسعدتنا ضيافتكم !
أم صابر التي بدت بشوشة : بل نحن الذين سعدنا بزيارتكم ، ولو أنه لي عليك عتب ، فأنت تزوريننا في السنة مرة ، مع أنك تزورين غيري أسبوعيا وحتى يوميا ، فلماذا هذه القطيعة ؟
أم سامي وقد بدت خجولة من هذا العتب : لا والله يا أم صابر ، ليس بقطيعة ، وإن كنت تقصدين أم حسن فكما تعلمين هي جارتي لصيقة لبيتي الجدار بالجدار وإن غبت عنها يوم وافتني في اليوم الذي يليه تسأل عن سبب تأخر زيارتي ، وهي تحب أن تطمأن على جميع الجيران دون استثناء جزاها الله عن الجميع كل خير ، لكنني ولو لم يكن لي عذر مقبول أغلب وقتي أوزعه لرعاية أبنائي وأبوي فأنا كما تعلمين البنت الكبرى لوالدي وهما قد كبرا في السن يحتاجان مني لرعاية عن كثب ، فما عدت أجد وقتا لزيارات جاراتي ووالله إنهن كلهن يعتبن علي مثلك وأكثر ، ثم إنك يا أم صابر أيضا مقلة في زياراتك لي !
أم صابر : صحيح لكنني لست مثلك ، فقد زرتك في العام الماضي أربع مرات أولها يوم أن أسقطت جنينك ، وثانيها يوم مرضت زوجة خالك وثالثها بعد أن عدنا أنا وأنت من عزاء أم أيوب في زوجها والأخيرة كانت قبل شهر يوم أن احترق منزل أم حمد فمررت عليك بعدهم وأديت واجب زيارتك ، أما أنت فمتى كانت آخر زيارة منك ، سأخبرك ، كانت قبل عام يوم أن توفت جدة أبو صابر وبعدها لم تدخلي بيتي إلا هذه المرة ، أم سامي إن لك في قلبي محبة كبيرة ولولا هذه المحبة لما عاتبتك ، فكما تعلمين العتاب صابون القلوب !
أم سامي والتي ازداد خجلها : والله ما أحببت إلا من أحبك وأنت صادقة ، فأنا قصرت في حق زيارتك ، وأعدك أن لا أقطع ودك فأعذريني ؟
أم صابر وهي تحضنها : معذورة ولكن لا تنسيني ، ثم لا تقطعي عنا سامي فكما ترين بأم عينك صابر وجد صديقا جديدا لن يفرط فيه مهما كان . وضحكت المرأتان قليلا ثم قالت أم سامي لولدها : سامي يكفي ، فأبوك سيقلب علينا البيت جهنم حمراء ، هيا يابني ؟
سامي وقد بدا متضايقا من حثها له : ثرثرا معا ، فما زال الوقت باكرا .
عندها غضبت أم سامي وانحنت إليه وسحبته من ساعده بقوة قائلة له : لا تتفلسف ، واسمع الكلام .
ويبدوا أنها آلمته بجره من ساعده فصرخ باكيا وانهالت دموعه بسرعة فائقة ، فتناولته أم صابر قائلة : ما هذا يا أم سامي ، لقد قسوت عليه فساعده يؤلمه .
أم سامي : أنت لا تعرفيه جيدا ، فهو ما إن يرى ألعابا حتى يلتصق بها وكلما أخذته معي في زيارة مارس علي هذا الدلال الزائد .





  رد مع اقتباس