عرض مشاركة واحدة
قديم 30-04-07, 02:18 AM   #6
فتى الرياض

من كبار الشخصيات
افتراضي

 




(5)
كان الصباح مشرقا باردا حينما ساعدت هند سامي لامتطاء الأرجوحة التي تدلت من شجرة عالية كانت في الفناء الخارجي لمنزل أبو صابر وكانت رائحة أوراق شجر الليمون وشجر المانجو ورائحة أزهار الفاغي التي اختلطت بالفل المتدلي تعبق نسيما زاد من نشوة الطفولة ومرحها البريء لدى الطفلين هند وسامي وكانت هند تدفع سامي فيتأرجح الثاني مطلقا ضحكاته العذبة ، سمع صابر تلك الضحكة المألوفة له فتجدد الأمل لديه وارتسمت على شفتيه ابتسامة الفرح بمقدم هذا الضيف العزيز على النفس قال لخادمته : قربيني من النافذة ؟
الخادمة : لماذا ؟
صابر : أريد رؤية سامي وهو يتأرجح .
قربت الكرسي ذو العجلات وحملته ثم وضعته عليه ، ودفعته حتى ألتصق بالنافذة المفتوحة أصلا قدم جذعه للأمام ورأى هند تدفع سامي على الأرجوحة وسامي مازال يعزف لحن ضحكاته التي لا تفارق شفتاه ، نادى عليه : سامي ، لكنهما لم يسمعاه نادى بصوت أعلى قليلا وساعدته خادمته فنادت معه فرفع سامي رأسه ينظر للأعلى فرأى صابر مطلا برأسه من النافذة وانتبهت هند فرفعت بدورها رأسها ناحية النافذة ، لم تسع الفرحة سامي فقذف نفسه من الأرجوحة كأنه يريد الطيران إلى صابر لكنه سقط على الأرضية الخرسانية وظل ممدا لا يعي شيء ، بينما أطلقت هند صيحة طويلة امتزجت بالذعر والخوف ، وتلاها صراخ الخادمة الذي أنطلق كصافرة إنذار وصابر الذي لم يطق صبره كاد أن يقف على قدميه لولا أن تذكر عجزه فخر حبيس الألم الذي يعتصر جسده الصغير وقلبه المفطور .










ألتف حول سامي كل أقاربه ووالده وهو ممدد على سرير أبيض داخل المستشفى ، قال أبو صابر : بشر يا طبيب أهو بخير ؟
الطبيب : ننتظره يستفيق لنكمل بقية الفحوصات .
أبو سامي : طمأنا طمأن الله قلبك ؟
كان مازال الطبيب منكبا على الطفل يفحص نبضه فأدار وجهه نحو السائل وبدا عليه عدم الارتياح من السؤال فأخفض نظارته وقال موجها للحشد : من السائل ؟
أبو سامي : أنا أبوه .
الطبيب : ابنك بخير يا هذا ، ألا تراه يتنفس بشكل طبيعي ، والأشعة سليمة لا يوجد بها كسور في الرأس والجسد ، أبنك أقوى منك ، فقط يعاني من غيبوبة بسيطة وحالما يفيق سترى أنه أفضل مني ومنك .
أبو سامي : طمأنك الله مثل ما طمأنتني .
أبو صابر : دعونا نخرج قليلا خارج الغرفة حتى لا نعيق الطبيب عن تأدية عمله .
فخرج أبو صابر وقاد معه بقية أقاربه ، بينما مكث أبو سامي بجانب ولده الذي مازال الطبيب يعاينه .
فجأة نطق سامي بصوت خفيف قائلا : صابر .
سمعه الطبيب فقال : أكانت وقعته بفعل متعمد .
أبو سامي : لا لقد سقط من تلقاء نفسه من الأرجوحة .
الطبيب : من صابر ؟، أهو الولد الذي كان يدفعه بالأرجوحة ؟.
أبو سامي : لا لم يكن يدفعه صبي بل طفلة ودودة جدا ولكن أخبرني كيف عرفت بالاسم ؟.
الطبيب : طفلك نطق به .
أطبق أبو سامي على فيه بيده وكتم نوبة البكاء التي راودته فأحس الطبيب بالأمر التفت إليه رآه كمن يجاهد في حبس بكاءه لكن دمعته سبقته فسقطت ساخنة وفيرة على وجنتيه .
الطبيب : ما الأمر ؟
أبو سامي : لا شيء ، أذهلني هذا الحب الذي يكنه ابني لابن لصديقه صابر وابن جيراننا .
الطبيب : أهو طفل بعمر ابنك ؟
أبو سامي : يكبره بعامين تقريبا .
ثم أردف : أرأيت من قاد الجماعة لخارج الغرفة .
الطبيب : نعم .
أبو سامي : ذاك أبو صابر ، صبره الله .
الطبيب : لماذا ، أيعاني من شيء ؟
أبو سامي : ليس هو بل صابر ولده .
الطبيب : ما به ؟
أبو سامي : حمانا الله ابنه مشلول .
الطبيب : لا تخاف ولا تحزن فالطب دائما في تقدم ولعل له أمل في الشفاء ، أما أعطي تطعيمات الحصانة ضد الشلل ؟
أبو سامي : وما هي التحصينات هذه ؟
الطبيب : معنى هذا أن ابنك لم يأخذ التطعيمات أيضا .
أبو سامي : لم نسمع أن هناك تطعيمات .
الطبيب : بل هناك تطعيمات ضد الشلل والتوفيئيد والدرن ، في أي مستشفى ولد ابنك هذا ؟
أبو سامي : لم يولد في مستشفى ، ولد في البيت على يد ( داية ) .
الطبيب : ألم يخبروك في مكتب تسجيل المواليد بضرورة استكمال التطعيمات .
أبو سامي : لم نسجله بعد ولم نستخرج له شهادة ميلاد .
الطبيب : أما والله إن هذا لإهمال واضح ، ولو كان لي سلطة لأمرت بمعاقبتك ، هؤلاء الأطفال الذين أصابهم الشلل والأمراض الذي لا برء لها هم ضحايا إهمال الآباء وجهل ذويهم ، ما هذا ؟ ، أنت في مدينة ولا تعلم أن مرض شلل الأطفال منتشر وشكل وباءا عجزت معه الحكومات مكافحته وقدمت لكم حكومتكم الدواء والتحصين مجانا فلا تذهب لإعطاء ابنك الجرعة ولم تقم بتسجيله في مكتب المواليد ولم تستخرج له كرت صحي ولا شهادة ميلاد ، وابنك في عمره الخامس ألم يمرض من قبل ؟ ، ما هذا أو لستم بشر مثلنا ؟
أبو سامي : بلى يا سيدي بشر مثلكم نمرض مثل كل البشر لكن لدينا أدوية شعبية تغنينا عن الطب والمستشفيات ، ثم أننا مازلنا بدوا ولو أننا سكنا في المدن والبدو لا يمرضون إلا فيما ندر ، أعدك حينما يقوم ابني بالسلامة ، أستوفي له إجراءات التطعيم جميعها ، أعذر جهلي يا سيدي .
الطبيب : لقد عرفت بالأمر الآن فخذ في اعتبارك أن أي تأخير للتطعيمات يعرض ابنك للخطر أكثر .
فجأة فتحت عيني الطفل رأى والده واقفا ينظر إليه قال : أبي ، أين أنا ؟
أبو سامي متقدما نحوه : أنت في المستشفى ، وأنت بخير .
الطبيب : دعني أفحص عينيك بني ؟
سامي : أبي لا أحس بقدمي .
الطبيب : ماذا تقول ؟
سامي : كأنها ليست موجودة .
الطبيب : قم ارني قدميك ؟
سامي : لا أستطيع ، ليس لي قدمان .
تناوله الطبيب من السرير أوقفه على قدمين هزيلتين لكنه بدا أنه لا يستطيع الوقوف وكأنه لا يملك قدمين بتاتا فقال الطبيب موجها كلامه للأب : أرأيت إلى ماذا قاد الإهمال ؟
أبو سامي : ماذا تقصد ؟
الطبيب : ابنك مشلول أيضا .





  رد مع اقتباس